باحثة وأکادیمیة جزائریة: رؤیة الإمام الخامنئی حول حقوق الأمة ترتکز على مفاهیم العدالة الإلهیة والمسؤولیة الاجتماعیة
باحثة وأکادیمیة جزائریة: رؤیة الإمام الخامنئی حول حقوق الأمة ترتکز على مفاهیم العدالة الإلهیة والمسؤولیة الاجتماعیة

وأعلنت عن ذلك، الباحثة والأكاديمية الجزائرية "الدكتورة نورا فرحات" في المقال الذي أرسلتها تحت عنوان "حقوق الأمة والحريات العامة في الفكر السياسي للإمام الخامنئي: رؤية إسلامية معاصرة" الى الأمانة العامة للمؤتمر الدولي "حقوق الأمة وحرياتها المشروعة في المنظومة الفكرية لسماحة آیة الله العظمى السيد علي الخامنئي(دام ظله الوارف)" الذي من المقرر أن يقام خلال شهر ديسمبر / كانون الأول 2025 م في العاصمة الايرانية طهران.

وفيما يلي ملخص لنص المقال:

"تعدّ مسألة حقوق الأمة والحريات العامة من القضايا الجوهرية في الفكر السياسي الإسلامي، حيث تحدد العلاقة بين الحاكم والأمة، وتضع الأسس التي تضمن تحقيق العدالة والمشاركة في إدارة المجتمع وفق القيم الإسلامية، وقد اختلفت الاجتهادات الفكرية في تحديد طبيعة هذه الحقوق ومدى الحريات التي يمكن للأفراد والجماعات ممارستها، في ظل الضوابط الشرعية والمصالح العامة.

في هذا السياق، برزت أفكار الإمام الخامنئي باعتبارها امتدادًا للفكر الإسلامي الأصيل، وفي الوقت ذاته استجابة لمتغيرات العصر وتحدياته، فقد قدم الإمام الخامنئي رؤية متكاملة حول حقوق الأمة، ترتكز على مفاهيم العدالة الإلهية، والمسؤولية الاجتماعية، ودور الدولة في تحقيق التوازن بين الحرية والالتزام بالقيم الدينية، كما أن فكره يعكس رؤية منهجية لكيفية تنظيم الحريات العامة، بحيث يتم تحقيق المصلحة العامة دون أن يؤدي ذلك إلى الانحراف أو الفوضى.

وتتجلى أهمية هذا الموضوع في السياق المعاصر، حيث يواجه الفكر الإسلامي تحديات تتعلق بتحديد طبيعة الحريات والحقوق في ظل الحداثة والعولمة، مع الحاجة إلى الحفاظ على الهوية الدينية والقيم الإسلامية. وهنا، يبرز الفكر السياسي للإمام الخامنئي كنموذج يهدف إلى تحقيق التوازن بين الأصالة والتجديد، مع مراعاة المستجدات الاجتماعية والسياسية.

تُعد حقوق الأمة والحريات العامة من المرتكزات الأساسية في الفكر السياسي الإسلامي، حيث تعكس المبادئ والقيم التي تقوم عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحدد معايير العدل والمساواة في المجتمع، وقد تبلور هذا المفهوم عبر الاجتهادات الفقهية والفكرية المختلفة، التي حاولت وضع إطار نظري يوازن بين الحقوق والواجبات، وفقاً للأسس الشرعية والمقاصد الإسلامية.

 تُعرف الحريات العامة بأنها الحقوق التي يتمتع بها الأفراد في المجتمع، وتُكفل لهم في إطار الشريعة الإسلامية، وتشمل حرية العقيدة، وحرية التعبير، وحرية التنقل، وحرية التملك، وقد أكد القرآن الكريم على مبدأ الحرية، حيث يقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256] ، مما يشير إلى احترام حرية المعتقد.

 يُعدّ الإمام علي الخامنئي من أبرز المفكرين والقادة الذين قدّموا رؤية شاملة ومتكاملة لحقوق الأمة والحريات العامة، مستندًا إلى المبادئ الإسلامية والقيم الحضارية التي تهدف إلى تحقيق العدالة والاستقرار في المجتمع، وتقوم رؤيته هذه على مرتكزات فكرية أساسية، من بينها العلاقة الجدلية بين الحاكمية الإلهية وإرادة الأمة، حيث يرى أن السيادة الحقيقية يجب أن تستند إلى التشريع الإلهي، مع ضمان دور الأمة في اختيار قيادتها والمشاركة الفاعلة في إدارة شؤونها، كما يشدد على دور الشريعة الإسلامية باعتبارها المرجعية الأساسية التي تُحدّد الحقوق والحريات، بحيث لا تكون مطلقة دون قيود، بل تخضع لضوابط تضمن تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع.

وفي هذا الإطار، يتناول الإمام الخامنئي حقوق الأمة بوصفها جزءًا من المشروع الإسلامي القائم على العدل والمساواة، حيث يؤكد على حق السيادة وتقرير المصير، وحق المشاركة السياسية من خلال الانتخابات، وضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية بما يضمن تكافؤ الفرص لجميع أفراد المجتمع، كما تشمل رؤيته للحريات العامة التأكيد على حرية التعبير والإعلام ضمن الضوابط الأخلاقية التي تمنع التلاعب بالرأي العام ونشر الفساد، وحرية العقيدة والممارسات الدينية في إطار الاحترام المتبادل، وحرية العمل والتملك بما يتوافق مع القيم الإسلامية التي تمنع الاستغلال والاحتكار.

وتتميّز رؤية الإمام الخامنئي بالشمولية والاتزان، حيث يوازن بين الحقوق والواجبات، ويؤكد أن الحرية مسؤولية ينبغي أن تُمارس في إطار يخدم مصالح الأمة ويحافظ على هويتها الإسلامية، مما يجعل مشروعه الفكري نموذجًا لرؤية إسلامية حديثة لحقوق الإنسان والحريات العامة.

 يرى الإمام الخامنئي أن الحاكمية الإلهية لا تتعارض مع إرادة الأمة، بل تتكامل معها، حيث تعتبر الشريعة الإسلامية مصدرًا أساسيًا للتشريع، وهي التي تُوجّه إرادة الأمة نحو تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية، فالنظام الإسلامي وفقًا لرؤيته، يوازن بين السيادة الإلهية وحق الأمة في تقرير مصيرها، ويؤكد أن القيادة يجب أن تكون بيد فقيه عادل قادر على تطبيق الشريعة الإسلامية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والعدل، ويستند في ذلك إلى مفهوم "ولاية الفقيه".

إذن، يرى الإمام الخامنئي أن الإسلام، بطرحه الشامل، قادر على تقديم نموذج عادل للحكم، حيث تتكامل الحاكمية الإلهية مع إرادة الأمة، بما يضمن بناء مجتمع متوازن قائم على العدل والمساواة، مع الالتزام بمبادئ الاستقلال والسيادة، وإعداد القوة الكافية لحماية هذا النموذج من التحديات الخارجية.

 يرى الإمام الخامنئي أن الشريعة الإسلامية ليست مجرد مجموعة من الأحكام القانونية، بل هي نظام شامل يوازن بين حقوق الفرد ومصالح المجتمع، مما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار، كما يؤكد أن الالتزام بالقوانين الإسلامية في صياغة السياسات العامة يمنع الفوضى والانحراف الأخلاقي، ويضع إطارًا محددًا للحريات ينسجم مع القيم الإسلامية.

من هذا المنطلق، يؤكد الإمام الخامنئي أن الشريعة الإسلامية، المنطلقة من مبدأ التوحيد، تشكل الإطار المرجعي الذي يحدد الحقوق والحريات، بحيث تحقق التوازن بين الفرد والمجتمع، وتؤسس لنظام عادل ومستقر قائم على المسؤولية والالتزام بالقيم الإلهية.

 يؤكد الإمام الخامنئي أن الحقوق والحريات يجب أن تكون ضمن الإطار الشرعي الذي يحافظ على النظام الاجتماعي والأخلاقي، فحقوق الإنسان في الإسلام ليست منفصلة عن الواجبات، بل إن كل حق يقابله التزام، مما يجعل الحرية مسؤولية منضبطة لا تُستخدم كأداة للفوضى أو التعدي على حقوق الآخرين.

 يشدد الإمام الخامنئي على أن للأمة الإسلامية الحق في تقرير مصيرها، بعيدًا عن التدخلات الخارجية، ويرى أن الاستقلال السياسي والثقافي والاقتصادي يُعدّ من أهم الحقوق التي يجب الحفاظ عليها، حيث يستشهد بقول الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141]، ليؤكد ضرورة التحرر من التبعية للأجنبي. 

تُعدّ العدالة الاجتماعية والاقتصادية من المبادئ الجوهرية التي جاءت بها الأديان السماوية، وكانت إحدى الغايات الكبرى لبعثة الأنبياء، لذلك يشدد الإمام الخامنئي على أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية، ويؤكد على ضرورة التوزيع العادل للثروات ومنع الاستغلال.

 ويرى الإمام الخامنئي أن الدولة الإسلامية مسؤولة عن تأمين حياة كريمة لجميع أفراد المجتمع، مستندًا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

يرى الإمام الخامنئي أن حرية التعبير حق مكفول في الإسلام، لكنه مشروط بعدم الإضرار بالمجتمع أو التعدي على القيم الدينية والأخلاقية، فهو يؤكد على ضرورة أن تكون حرية التعبير مسؤولة وتخدم مصالح الأمة، لا أن تتحول إلى أداة لنشر الفساد والانحراف، فحرية التعبير لا تعني حرية الإهانة والتشويه والإساءة إلى المقدسات، وأن  الحرية الحقيقية هي تلك التي تساهم في تنوير العقول وبناء المجتمع.

وفي سياق تحليل دور الإعلام في العالم المعاصر، يشير الإمام الخامنئي إلى خطورة وسائل الإعلام في تأجيج الصراعات وإثارة الفتن، وهو ما يسميه "الحرب الناعمة"، حيث تعمل القوى الكبرى على استغلال الإعلام كسلاح أساسي لزعزعة استقرار الدول ونشر الفوضى.

وبالمقابل، يرى الإمام الخامنئي أن الإعلام يجب أن يكون أداة للدفاع عن الإسلام والقيم الإسلامية، مؤكدًا على ضرورة أن يسهم في نقل رسالة الأمة الإسلامية إلى العالم، حيث يؤكد على أهمية الدفاع عن الجمهورية الإسلامية باعتبارها نموذجًا سياسيًا إسلاميًا يسعى الاستعمار إلى التشكيك في قدرته على إدارة المجتمع.

من هنا، يتضح أن رؤية الإمام الخامنئي لحرية التعبير والإعلام تقوم على مبدأ التوازن بين الحرية والانضباط، حيث يؤمن بأن الإعلام يجب أن يكون أداة لنشر الوعي والقيم الأخلاقية، وليس وسيلة للتحريض أو نشر الفوضى، فالإعلام الهادف والمسؤول  في نظره هو ذلك الذي يعمل على بناء المجتمع، ويعزز القيم الإسلامية والإنسانية، دون أن يقع في فخ الدعاية الزائفة أو الانحراف عن المبادئ الأخلاقية.

 يعدّ موضوع حرية العقيدة والممارسات الدينية من القضايا الجوهرية في الفكر السياسي الإسلامي، حيث أكّد الإمام الخامنئي أنّ الإسلام يدعو إلى العدل والإنصاف في التعامل مع أتباع الأديان الأخرى، بعيدًا عن الظلم والتمييز.

وفي هذا السياق، يبرز الإمام الخامنئي تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في التعامل مع الأقليات الدينية، مشيداً بالمواقف الوطنية التي أبدتها هذه الأقليات، لا سيما خلال الحرب المفروضة، حيث انضمّ العديد من المسيحيين الأرمن والآشوريين إلى صفوف المدافعين عن البلاد.

يحرص النظام الإسلامي في إيران على تحقيق التوازن بين الحريات الفردية والقيم الدينية والاجتماعية، إلا أن بعض التباينات في التطبيق العملي تستدعي تحسين آليات التنفيذ وتعزيز الشفافية القانونية، وفي هذا السياق، يضطلع مجلس صيانة الدستور بدور محوري في الحفاظ على الهوية الإسلامية للدولة، وهو ما يثير نقاشات داخلية حول آفاق توسيع المشاركة السياسية، واستجابةً لهذه النقاشات، تبنّى النظام سياسات أكثر انفتاحًا لتعزيز دور المجالس الاستشارية وتفعيل الحوارات حول الإصلاحات القانونية، بما يسهم في تطوير العملية الديمقراطية ضمن الإطار الإسلامي.

 وهكذا، فإن الإمام الخامنئي قد تمسّك برؤيته الخاصة لحقوق المرأة وحقوق الإنسان، دون أن يخضع لأي تأثيرات غربية، بل اعتمد على منظومته الفكرية المستقلة في تطبيق هذه المفاهيم، تمامًا كما في سائر القضايا، وكما باقي قادة الثورة الإسلامية قبله، وهذا ما يعكس استقلالية فكرية حقيقية، إذ لا يمكن لأي أمة أن تحقق استقلالها على الأرض دون أن يكون لها فكر مستقل.

بعد استعراض الأسس النظرية لحقوق الأمة والحريات العامة في الفكر السياسي الإسلامي، وتحليل رؤية الإمام الخامنئي لهذه المفاهيم، ثم استقراء تطبيقاتها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يمكن استخلاص عدد من النتائج المهمة:

1ـ تجذر حقوق الأمة والحريات العامة في الفكر الإسلامي، حيث يتبين أن الإسلام قدم تصورًا متوازنًا لحقوق الأمة والحريات العامة، يقوم على مبادئ العدل، والشورى، والمسؤولية المتبادلة بين الحاكم والمحكوم.

2ـ خصوصية رؤية الإمام الخامنئي، حيث تتميز رؤيته السياسية بتأكيدها على السيادة الشعبية الدينية، أين يتم الجمع بين الشورى والولاية، مما يوفر نموذجًا إسلاميًا فريدًا يتجاوز الثنائية التقليدية بين الديمقراطية الغربية والأنظمة السلطوية.

3ـ تأثير رؤية الإمام الخامنئي على الفكر السياسي الإسلامي الحديث، فقد ساهمت أفكاره في إثراء الفقه السياسي الإسلامي من خلال تعزيز مفهوم السيادة الشعبية في إطار ديني، وإبراز دور العدالة الاجتماعية في الحكم، إلى جانب التأكيد على مقاومة الاستبداد الداخلي والاستكبار العالمي، وقد انعكس هذا التأثير على العديد من الحركات والتيارات الإسلامية المعاصرة التي تبنّت رؤيته في مقاومة الظلم وتعزيز الحكم القائم على القيم الإسلامية.

 


2025-06-08 (2 MesHace)
La conferencia internacional sobre derechos del pueblo y libertades legítimas en el sistema intelectual del ayatolá Jamenei se celebra con los objetivos de: 1. Releer el pensamiento y la conducta del ayatolá Jamenei sobre los derechos de la nación y las libertades legítimas, 2. Delinear el sistema óptimo de derechos del pueblo y libertades legítimas basado en los pensamientos del ayatolá Jamenei, 3. Garantizar y proteger los derechos y las libertades legítimas del pueblo y la manera de promoverlos con base en las opiniones y pensamientos del ayatolá Jamenei
Instituto de Investigación y Estudios Culturales de la Revolución Islámica
Instituto de Investigación del Consejo Constitucional